الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

ما الذي أجبر إسرائيل على اتمام صفقة التبادل ?


تبنت القيادات الإسرائيلية المتعاقبة منذ أن أسرت المقاومةُ الجنديَ الإسرائيلي "شاليت" سياسات مختلفة تجاه المقاومة الفلسطينية بشكل عام وتجاه قطاع غزة وأهله بشكل خاص، تجلت هذه السياسات في رفض مطالب الآسرين، والتعامل معهم بمبدأ خلق التعارضات أو ما يُعرف إسرائيلياً بهجوم التطبيع، والذي يقضي بضرورة الضغط على المدنيين ليجبروا المقاومة على التراجع عن أهدافها، خصوصاً وأن أحد أهم مبادئ حرب العصابات هو تلاحم المقاومة والشعب، فإذا انفك الشعب عن المقاومة انهارت المقاومة.
ولقد سلكت "إسرائيل" في سبيل ذلك كل مسلك فبدأت بحملات عسكرية تُمطر بها الصيف، وتشعل بها الشتاء، وأغلقت المعابر في اطار حصار مطبق سئم  العالم منه، وتم فرض استراتيجية جباية ثمن، قال عنها وزير الجيش الإسرائيلي باراك "بموجب هذه الاستراتيجية سيعلم الطرف الآخر –أي الجانب الفلسطيني- أنه سيُجبى منه ثمن كبير" ولقد تمثلت في التوغلات المحدودة التي كانت تستهدف قتل أكبر عدد ممكن من الشعب الفلسطيني في غزة وبلغت ذروتها في ما اصطلح عليه فلسطينياً بــ "المحرقة" في فبراير 2008  والتي قتل فيها 116 فلسطيني منهم 26 طفلاً، ثم كانت الحرب على غزة التي أمل الجيش من ورائها إطلاق شاليت، ومن يعود ليفتش في دفاتر الحرب يقرأ أن الوحدة الخاصة بإنقاذ الرهائن في الشرطة الإسرائيلية كانت تنتظر على حدود غزة، وكذلك القوات الخاصة البحرية "الشيتت 13" كانت تتمركز في بحر غزة، وقال الإعلام الإسرائيلي وقتها إنهم ينتظرون إشارة من الجيش لإنقاذ "جلعاد شاليت" لكن الحرب انتهت، وعاد الجيش الإسرائيلي إلى ثُكناته، والمقاومة إلى ثغورها، وبقي "شاليت" في أسره.
ذهبت حكومة قادها "إيهود أولمرت" وجاءت حكومة بقيادة "بنيامين نتياهو" وذهب قادة الأجهزة الأمنية "ديسكن، ودغان، وأشكنازي" وجاء بدلاً منهم "يورم كوهن، وتامير باردو، وبني غانتس" . وكان الذين ذهبوا قد أغلقوا باب خيارات التعامل مع المقاومة في غزة من خلال استنفاذ جميع السيناريوهات الممكنة عدا الخضوع لمطالب المقاومة، فاضطرت الحكومة الحالية للدخول في صفقة تبادل وذلك لما ذكر ولأسباب مهمة، نذكر منها:
1.    يبدو أن المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني قد أوصدوا كل باب  للتنازل عن قضية الأسرى وعن أسر الجندي "شاليت". واصبحت قضية الصفقة قضية الشعب وليس قضية الآسرين.
2.    ويبدو المفاوض الفلسطيني في الصفقة كان مصراً على تحقيق أكبر انجاز، واستيفاء أغلى ثمن يمكن تحقيقه من وراء هذه الصفقة.
3.    نزاهة الوسيط المصري الذي لطالما وقف حجر عثرة في سبيل تحقيقها قبل الثورة، أما اليوم فلقد بذل كل جهد ممكن في سبيل تحقيقها.
4.     فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية واعلان استسلامها حول إمكانية العثور على مكان شاليت. ولقد كان الفشل معلوم لدى هذه المؤسسة من زمن، لكن غطرسة قادتها نأت بهم عن الإعتراف بذلك. لذا فإن تغير هؤلاء القادة أتاح إمكانية الاعتراف بذلك.
5.    فشل الفعل العسكري ومبدأ خلق التعارضات الذي نهجته المؤسسات الإسرائيلية تجاه المقاومة وفلسطينيي غزة، والذي عاد على الجانب الإسرائيلي بمردود عكسي، حيث قال الكاتب في صحيفة هآرتس في مطلع يوليو الماضي، لقد فرضنا غلافاً على غزة، وفرضت هي علينا أغلفة، ولقد عدد في مقاله الأزمة مع تركيا والأزمة مع الدول التي ستعترف بالدولة الفلسطينية وغيرها....
6.    الربيع العربي والتقلبات التي تشهدها المنطقة لصالح المقاومة وبما يتعارض مع مصلحة الاحتلال، جعل الاحتلال يخشى من إمكانية اندثار قضية شاليت كما حصل في قضية "رون أراد".
7.    أراد نتياهو أن يفوت الفرصة ولو مؤقتاً على أقطاب الحراك الاجتماعي "الإسرائيلي" الذين يسعون إلى تحقيق مطالبهم في العدالة الإجتماعية، والذين يشكلون عليه ورقة ضغط ولا حل في الأفق لها سوى تأجيلها لبضعة وقت، وقد يجد مبتغاه في مثل هذه الخطوة.
8.    شعور نتنياهو بالخناق الذي يضيق عليه وعلى حكومته التي أصبحت في نظر العالم وفي مقدمهم حلفائها أنها حكومة سلبية تراوح مكانها ولا تُقدم على أية خطوة ولو كان شكلية، وهو أمرٌ كان ذا قبول لدى المجتمع الإسرائيلي، أما اليوم فأصبح للمجتمع نفس النظرة وإن اختلفت الأسباب فأراد من هذه الصفقة أن يحرك الماء الراكد ليرفع من ميزان شعبيته.